فصل: قال الشنقيطي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج جماعة من طرق عن ابن مسعود أنه قال: الغي نهر أو واد في جهنم من قيح بعيد القعر خبيث الطعم يقذف فيه الذين يتبعون الشهوات، وحكى الكرماني أنه آبار في جهنم يسيل إليها الصديد والقيح.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة أن الغي السوء، ومن ذلك قول مرقش الأصغر:
فمن يلق خيرًا يحمد الناس أمره ** ومن يغو لا يعدم على الغي لائمًا

وعن ابن زيد أنه الضلال وهو المعنى المشهور، وعليه قيل المراد جزاء غي.
وروي ذلك عن الضحاك واختاره الزجاج، وقيل: المراد غيًا عن طريق الجنة.
وقرىء فيما حكى الأخفش {يُلْقُون} بضم الياء وفتح اللام وشد القاف.
{إِلاَّ مَن تَابَ وَءامَنَ وَعَمِلَ صالحا} استثناء منقطع عند الزجاج.
وقال في (البحر): ظاهره الاتصال، وأيد بذكر الإيمان كون الآية في الكفرة أو عامة لهم ولغيرهم لأن من آمن لا يقال إلا لمن كان كافرًا إلا بحسب التغليظ، وحمل الإيمان على الكامل خلاف الظاهر، وكذا كون المراد إلا من جمع التوبة والإيمان، وقيل: المراد من الإيمان الصلاة كما في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ الله لِيُضِيعَ إيمانكم} [البقرة: 143] ويكون ذكره في مقابلة إضاعة الصلاة وذكر العمل الصالح في مقابلة اتباع الشهوات {فَأُوْلَئِكَ} المنعوتون بالتوبة والإيمان والعمل الصالح {يَدْخُلُون الجنة} بموجب الوعد المحتوم، ولا يخفى ما في ترك التسويف مع ذكر أولئك من اللطف وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر ويعقوب {يَدْخُلُونَ} بالبناء للمفعول من أدخل. وقرأ ابن غزوان عن طلحة {سيدخلون} بسين الاستقبال مبنيًا للفاعل {وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئًا} أي لا ينقصون من جزاء أعمالهم شيئًا أو لا ينقصون شيئًا من النقص، وفيه تنبيه على أن فعلهم السابق لا يضرهم ولا ينقص أجورهم.
واستدل المعتزلة بالآية على أن العمل شرط دخول الجنة.
وأجيب بأن المراد {يَدْخُلُونَ الجنة} بلا تسويف بقرينة المقابلة وذلك بتنزيل الزمان السابق على الدخول لحفظهم فيه عما ينال غيرهم منزلة العدم فيكون العمل شرطًا لهذا الدخول لا للدخول مطلقًا، وأيضًا يجوز أن يكون شرطًا لدخول جنة عدن لا مطلق الجنة، وقيل هو شرط لعدم نقص شيء من ثواب الأعمال وهو كما ترى، وقيل غير ذلك. واعترض بعضهم على القول بالشرطية بأنه يلزم أن لا يكون من تاب وآمن ولم يتمكن من العمل الصالح يدخل الجنة. وأجيب بأن ذلك من الصور النادرة والأحكام إنما تناط بالأعم الأغلب فتأمل.
{جنات عَدْنٍ} بدل من {الجنة} [مريم: 60] بدل البعض لاشتمالها عليها اشتمال الكل على الجزء بناءً على ما قيل: إن {جنات عَدْنٍ} علم لإحدى الجنات الثمان كعلمية بنات أوبر. وقيل: إن العلم هو جنة عدن إلا أنه أقيم الجزء الثاني بعد حذف الأول مقام المجموع كما في شهر رمضان فكان الأصل جنات جنة عدن. والذي حسن هذه الإقامة أن المعتبر علميته في المنقول الإضافي هو الجزء الثاني حتى كأنه نقل وحده كما قرر في موضعه من كتب النحو المفصلة.
وفي (الكشف) إذا كانت التسمية بالمضاف والمضاف إليه جعلوا المضاف إليه في نحوه مقدر العلمية لأن المعهود في كلامهم في هذا الباب الإضافة إلى الأعلام والكنى فإذا أضافوا إلى غيرها أجروه مجراها كأبي تراب ألا ترى أنهم لا يجوزون إدخال اللام في ابن داية وأبي ترابي ويوجبونه في نحو امرئ القيس وماء السماء كل ذلك نظرًا إلى أنه لا يغير من حاله كالعلم إلى آخر ما فيه. ويدل على ذلك أيضًا منعه من الصرف في بنات أوبر، وأبي قترة، وابن داية إلى غير ذلك فجنات عدن على القولين معرفة أما على الأول فللعلمية، وأما على الثاني فللإضافة المذكورة وإن لم يكن عدن في الأصل علمًا ولا معرفة بل هو مصدر عدن بالمكان يعدن ويعدن أقام به.
واعتبار كون عدن قبل التركيب علمًا لإحدى الجنات يستدعي أن تكون الإضافة في {جَنَّةُ عَدْنٍ} من إضافة الأعم مطلقًا إلى الأخص بناءً على أن المتبادر من الجنة المكان المعروف لا الأشجار ونحوها وهي لا تحسن مطلقًا بل منها حسن كشجر الأراك ومدينة بغداد ومنها قبيح كإنسان زيد ولا فارق بينهما إلا الذوق وهو غير مضبوط.
وجوز أن يكون {عدن} علمًا للعدن بمعنى الإقامة كسحر علم للسحر وأمس للأمس وتعريف {جنات} عليه ظاهر أيضًا، وإنما قالوا ما قالوا تصحيحًا للبدلية لأنه لو لم يعتبر التعريف لزم إبدال النكرة من المعرفة وهو على رأي القائل لا يجوز إلا إذا كانت النكرة موصوفة وللوصفية بقوله تعالى: {التى وَعَدَ الرحمن عِبَادَهُ} وجوز أبو حيان اعتبار {جنات عَدْنٍ} نكرة على معنى جنات إقامة واستقرار وقال: إن دعوى إن عدنا علم لمعنى العدن يحتاج إلى توقيف وسماع من العرب مع ما في ذلك مما يوهم اقتضاء البناء. وكذا دعوى العلمية الشخصية فيه. وعدم جواز إبدال النكرة من المعرفة إلا موصوفة شيء قاله البغداديون وهم محجوجون بالسماع.
ومذهب البصريين جواز الإبدال وإن لم تكن النكرة موصوفة وقال أبو علي: يجوز ذلك إذا كان في إبدال النكرة فائدة لا تستفاد من المبدل منه مع أنه لا تتعين البدلية لجواز النصب على المدح، وكذا لا يتعين كون الموصول صفة لجواز الإبدال اه بأدنى زيادة. وتعقب إبدال الموصول بأنه في حكم المشتق. وقد نصوا على أن إبدال المشتق ضعيف. ولعل أبا حيان لا يسلم ذلك. ثم إنه جوز كون {جنات عَدْنٍ} بدل كل. وكذا جوز كونه عطف بيان. وجملة {لاَ يُظْلَمُونَ} [مريم: 60] على وجهي البدلية. والعطف اعتراض أو حال.
وقرأ الحسن وأبو حيوة، وعيسى بن عمر، والأعمش، وأحمد بن موسى عن أبي عمرو {جنات عَدْنٍ} بالرفع، وخرجه أبو حيان على أنه خبر مبتدأ محذوف أي تلك جنات، وغيره على أنها مبتدأ والخبر الموصول. وقرأ الحسن بن حي. وعلي بن صالح {جنات عَدْنٍ} بالنصب والإفراد ورويت عن الأعمش وهي كذلك في مصحف عبد الله، وقرأ اليماني، والحسن في رواية، وإسحاق الأزرق عن حمزة {جَنَّةُ عَدْنٍ} بالرفع والإفراد والعائد إلى الموصول محذوف أي وعدها الرحمن، والتعرض لعنوان الرحمة للإيذان بأن وعدها وإنجازه لكما سعة رحمته سبحانه وتعالى، والباء في قوله عز وجل: {بالغيب} للملابسة وهي متعلقة بمضمر هو حال من العائد أو {مِنْ عِبَادِهِ} أي وعدها إياهم ملتبسة أو ملتبسين بالغيب أي غائبة عنهم غير حاضرة أو غائبين عنها لا يرونها أو للسببية وهي متعلقة بوعد أي وعدها إياهم بسبب تصديق الغيب الإيمان به، وقيل: هي صلة {عِبَادِهِ} على معنى الذين يعبدونه سبحانه بالغيب أي في السر وهو كما ترى {أَنَّهُ} أي الرحمن، وجوز كون الضمير للشأن {كَانَ وَعْدُهُ} أي موعوده سبحانه وهو الجنات كما روي عن ابن جريج أو موعوده كائنًا ما كان فيدخل فيه ما ذكر دخولًا أوليًا كما قيل، وجوز إبقاء الوعد على مصدريته وإطلاقه على ما ذكر للمبالغة. والتعبير بكان للإيذان بتحقق الوقوع أي كان ذلك {مَأْتِيًّا} أي يأتيه من وعد له لا محالة، وقيل: {مَأْتِيًّا} مفعول بمعنى فاعل أي آتيا، وقيل: هو مفعول من أتى إليه إحسانًا أي فعل به ما يعد إحسانًا وجميلًا والوعد على ظاهره. ومعنى كونه مفعولًا كونه منجزًا لأن فعل الوعد بعد صدوره وإيجاده إنما هو تنجيزه أي إنه كان وعده عباده منجزًا.
{لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا} فضول كلام لا طائل تحته بل هو جار مجرى اللغاء وهو صوت العصافير ونحوها من الطير. والكلام كناية عن عدم صدور اللغو عن أهلها، وفيه تنبيه على أن اللغو مما ينبغي أن يجتنب عنه في هذه الدار ما أمكن، وعن مجاهد تفسير اللغو بالكلام المشتمل على السب، والمراد لا يتسابون والتعميم أولى {إِلاَّ سلاما} استثناء منقطع، والسلام إما بمعناه المعروف أي لكن يسمعون تسليم الملائكة عليهم السلام عليهم أو تسليم بعضهم على بعض أو بمعنى الكلام السالم من العيب والنقص أي لكن يسمعون كلامًا سالمًا من العيب والنقص، وجوز أن يكون متصلًا وهو من تأكيد المدح بما يشبه الذم كما في قوله:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ** بهن فلول من قراع الكتائب

وهو يفيد نفي سماع اللغو بالطريق البرهاني الأقوى. والاتصال على هذا على طريق الفرض والتقدير ولولا ذلك لم يقع موقعه من الحسن والمبالغة، وقيل: اتصال الاستثناء على أن معنى السلام الدعاء بالسلامة من الآفات وحيث أن أهل الجنة أغنياء عن ذلك إذ لا آفة فيها كان السلام لغوًا بحسب الظاهر وإن لم يكن كذلك نظرًا للمقصود منه وهو الإكرام وأظهار التحابب، ولذا كان لائقًا بأهل الجنة.
{وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} وارد على عادة المتنعمين في هذه الدار، أخرج ابن المنذر عن يحيى بن كثير قال: كانت العرب في زمانها إنما لها أكلة واحدة فمن أصاب أكلتين سمي فلان الناعم فأنزل الله تعالى هذا يرغب عباده فيما عنده، وروي نحو ذلك عن الحسن، وقيل: المراد دوام رزقهم ودروره وإلا فليس في الجنة بكرة ولا عشي لكن جاء في بعض الآثار أن أهل الجنة يعرفون مقدار الليل بإرخاء الحجب وإغلاق الأبواب ويعرفون مقدار النهار برفع الحجب وفتح الأبواب، وأخرج الحكيم الترمذي في (نوادر الأصول) من طريق أبان عن الحسن وأبي قلابة قالا: «جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هل في الجنة من ليل؟ قال: وما هيجك على هذا؟ قال: سمعت الله تعالى يذكر في الكتاب {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} فقلت: الليلة من البكرة والعشي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس هناك ليل وإنما هو ضوء ونور يرد الغدو على الرواح والرواح على الغدو وتأتيهم طرف الهدايا من الله تعالى لمواقيت الصلاة التي كانوا يصلون فيها في الدنيا وتسلم عليهم الملائكة عليهم السلام». اهـ.

.قال القاسمي:

{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ}.
وقرئ {الصلوات} بالجمع أي: المتضمنة للسجود والأذكار، المستدعية للبكاء. وإذا أضاعوها، فهم لما سواها من الواجبات أضيع. لأنها عماد الدين وقوامه وخير أعمال العباد: {وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ} أي: فأتوا بما ينافي البكاء والأمور المرضية من الأخلاق والأعمال، من الانهماك في المعاصي التي هي بريد الكفر: {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} أي: شرًّا. قال الزمخشريّ: كل شر عند العرب غيّ، وكل خير رشاد. قال المرقش:
فمن يلقَ خيرًا يحمَدِ الناسُ أمرَهُ ** ومن يَغْوَ لا يَعْدَمْ على الغيّ لائمَا

أي من يفعل خيرًا، يحمد الناس أمره. ومن يفعل الشر لا يعدم اللوائم على فعله. وقيل: أراد الشاعر بالخير المال. وبالغي الفقر أي: ومن يفتقر. ومنه القائل:
والناس من يلق خيرًا قائلون له ** ما يشتهي ولأمّ المخطئ الهَبَلُ

أي الثكل. ويجوز أن يكون المعنى جزاء غيّ. كقوله تعالى: {يَلْقَ أَثَامًا} [الفرقان: 68]، أي: شرًّا وعقابًا. فأطلق عليه كما أطلق الغيّ على مجازاته المسببة عنه، مجازًا أو: {غَيًّا} ضلالًا عن طريق الجنة. فهو بمعناه المشهور.
{إِلَّا مَنْ تَابَ}.
أي: عن ترك الصلوات واتباع الشهوات: {وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ} متعلق بمضمر العائد إلى الجنات. أو من عباده أي: وعدها إياهم ملتبسة أو ملتبسين بالغيب. أي: غائبة عنهم غير حاضرة. أو غائبين عنها لا يرونها، وإنما آمنوا بها بمجرد الأخبار. أو بمضمر هو سبب للوعد أي: وعدها إياهم بسبب إيمانهم، أفاده أبو السعود: {إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا} أي: لا يخلفه.
{لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلامًا}.
أي: لا يسمعون فيها فضول كلام لا طائل تحته. وهو كناية عن عدم صدور اللغو عن أهلها. قال الزمخشري رحمه الله: فيه تنبيه ظاهر على وجوب تجنب اللغو واتقائه. حيث نزه الله عنه الدار التي لا تكليف فيها. وما أحسن قوله سبحانه: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان: 72]، {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} [القصص: 55]، نعوذ بالله من اللغو والجهل والخوض فيما لا يعنينا.
ومعنى: {إِلَّا سَلامًا} أي: تسليمًا. تسليم الملائكة عليهم، أو بعضهم على بعض، على الاستثناء المنقطع كما قال: {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا إِلَّا قِيلًا سَلامًا سَلامًا} [الواقعة: 25- 26]، {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا}. اهـ.

.قال الشنقيطي:

{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ}.
الضمير في قوله: {من بعدهم} راجع إلى النَّبيين المذكورين في قوله تعالى: {أولئك الذين أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم مِّنَ النبيين مِن ذُرِّيَّةِ ءادَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} [مريم: 58] الآية. أي فخلف من بعد أولئك النَّبيين خلف، أي أولاد سوء. قال القرطبي رحمه الله في تفسير سورة (الأعراف) قال أبو حاتم: الخلف بسمون اللام-: الأولاد، الواحد والجمع فيه سواء. والخلف- بفتح اللام- البدل ولدًا كان أو غريبًا. وقال ابن الأعرابي: الخلف- بالفتح- الصالح. والبسكون: الطالح. قال البيد:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم ** وبقيت في خلف كجلد الأجرب

ومنه قيل للرديء من الكالم: خلف. ومنه المثل السائر (سمت ألفًا ونطق خلفًا). فخلف في الذم بالإسكان، وخلف بالفتح في المدح. هذا هو المستعمل المشهور. قال صلى الله عليه وسلم: «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله» وقد يستعمل كل وكل واحد منهما موضع الآخر. قال حسان بن ثابت رضي الله عنه:
لنا القدم الأولى إليك وخلفنا ** لأولنا في طاعة الله تابع

وقال آخر:
إنا وجدنا خلفًا بئس الخلف ** أغلق بابه ثم حلف

لا يدخل البواب إلا من عرف ** عبدًا إذا ما ناء بالجمل وقف

ويروى خضف، اي درم- انتهى منه. والردم: الضراط.
ومعنى الآية الكريمة: أن هذا الخلف الشيىء الذي خلف من بعد أولئك النَّبيين الكران كان من صفاتهم القبيحة: أنهم أضاعوا الصلاة، واتبعو الشهوات. واختلف أهل العلم في المراد بإضاعتهم الصلاة، فقال بعضهم: المراد بإضاعتها تأخيرها عن وقتها. وممن يروى عنه هذا القول ابن مسعود، والنخعي، والقاسم بن مخيمرة، ومجاهد، وعمر بن عبد العزيز وغيرهم. وقال القرطبي في تفسير هذه الآية: إن هذا القول هو الصحيح. وقال بعضهم: إضاعتها الإخلال بشروطها، وممن اختار هذا القول الزجاج، وقال بعضهم: المراد بإضاعتها حجد وجوبها. ويروى هذا القول وما قبله عن محمد بن كعب القرظي، وقيل: إضاعتها في غير الجماعات. وقيل: إضاعتها تعطيل المساجد، والاشتغال بالصنائع والأسباب.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: وكل هذه الأقوال تدخل في الآية. لأن تأخيرها عن وقتها، وعدم إقامتها في الجماعة، والإخلال بشروطها، حجد وجوبها، وتعطيل المساجد منها- كل لك إضاعة لها، وإن كانت أنواع الإضاعة تتفاوت، واختلف العلماء أيضًا في الخلف المذكورين من هم؟ فقيل: هو اليهود. ويروى عن ابن عباس ومقاتل. وقيل: هو اليهود والنصارى، ويروى عن السدي. وقيل: هم قوم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم يأتون عند ذهاب الصالحين منها، يركب بعضهم بعضا في الأزقة زنى. ويروى عن مجاهد وعطاء وقتادة ومحمد بن كعب القرظي. وقيل: إنهم أهل الغرب. وفيهم أقوال أخر.